السبت، 7 فبراير 2015

درس في درس

أثناء حصة من حصص أستاذ مادة "فنيات التعبير" Techniques d'expression وهو يشرح فنيات الإلقاء لاحظ أنني أبتسم كثيرا، سألني لماذا؟ قلت له: أنا أستاذ محاضر في فنيات الإلقاء وقدمتُ عدة دورات في هذا المجال لبعض الجمعيات الشبابية،قال لي: ممتاز، إذن ستقدم أنت الدرس للطلاب وأنا سأجلس مكانك لاستمع كواحد من الطلاب، في الحقيقة فاجأني هذا المقترح وحاولت أن أعتذر، فقلت له: لكنني لا أستطيع أن أحاضر باللغة الفرنسية، إذا أردتم أن أقدم الدورة باللغة العربية يمكن أن أفعل، قلتها له وأنا أضمر التخلص من مقترحه المحرج، لكن الأستاذ أصر على مقترحه وقال لي: هذا ممتاز أيضا ستكون تجربة مفيدة في فنيات الإلقاء أن نستمع إلى شرحك بلغة لا نفهما،وشجعه زملائي الطلاب على ذلك، لم يعد أمامي إلا أن آخذ جرعة من الشجاعة وأقف أمام الأستاذ والطلاب لأشرح فنيات الإلقاء، حاولت في البداية أن أخلط بين الفرنسية والعربية حتى يفهموا، لكن الأستاذ اعترض وقال لي: تحدث فقط باللغة العربية،ثم أردف: قم بمحو كل ما كتبته أنا باللغة الفرنسية، اتجهت إلى السبورة ومحوت ما كتبه الأستاذ باللغة الفرنسية وبدأت أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، اليوم:الخميس 23 أكتوبر 2014، المادة: فنيات الإلقاء، وبدأت بالشرح كأنني أمام طلبة يتحدثون اللغة العربية، استمع الطلاب والأستاذ بإنصات حتى أنهيت، قاموا بالتصفيق بالحار، وبدأ الأستاذ والطلاب يسألونني عن مدى صحة بعض الأمور التي فهموها من حديثي وإشاراتي أثناء شرحي باللغة العربية، وكان أغلبها صحيحا،ثم عاد الأستاذ إلى حصته وأستأنف الحديث في فنيات الإلقاء.
تذكرت هذه القصة وأنا ألاحظ يوما بعد يوم الفروق الكبيرة بين الأساتذة هنا في فرنسا والأساتذة عندنا في موريتانيا، الأستاذ هنا بسيط جدا، يلعب مع الطلاب ويكسر الحواجز النفسية، ويحرص أن يشرح بوضوح ويسعد جدا بسؤال أحدهم بل يُذكّرُ في كل حصة من حصصه أنه مهتم بأسئلة الطلاب وملاحظاتهم في كل وقت، 
مرددا دائما: N'hésitez pas à nous poser toutes vos  questions :
وكثيرا ما تلحظ احترامه للتخصص وذلك حين تسأله عن موضوع آخر ليس في تخصصه فيجيبك ببساطة: لا أعرف، هذا ليس تخصصي، لم يعجبني هذا في البداية ورأيت فيه نقصا مقارنة مع أساتذتنا الذين يجيبون على كل شيء، لكن مع الوقت أدركت أنه مفيد جدا أن يحترم كل أستاذ تخصص الآخرين وأن لا يجيب إلا على الأسئلة التي تعنيه، ولكم أنتم أن تكملوا المقارنة...

السبت، 31 يناير 2015

فقدره تقديرا.

وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، هذه الآية الموجزة البليغة، تسع مئات المحاضرات والندوات والمشاريع والبرامج البحثية، في مجال واحد من مجالات العلوم المعاصرة؛ علم الأحياء Biologie، بل في جزئية واحدة منه؛ تلك التي تتناول مفهوم "التوازن البيئي" بالدراسة والرصد والتحليل، أينما اتجهت مرورا بالغلاف الجوي إلى اليابسة، في الغابات إلى أعماق المحيطات، كل مكون حي وغير حي خلقه الله فقدره تقديرا.
العالم اليوم ينفق ملايين الدولارات، ومئات المنظمات والهيئات العلمية تمول الأبحاث وتقود جهودا عالمية لإقناع شعوب العالم بضرورة وأهمية المحافظة على البيئة وتوازنها الفريد، لأن أبسط خلل حتى ولو كان انقراض كائن تافه –عند البعض- يسبب اختلالات تؤثر على النظام البيئي كله وتؤثر من ثم على حياة الإنسان!
أحيان حين استغرق في الاستماع لشرح بعض الأساتذة في هذا المجال، استحضر هذه الآية، كأن الفكرة الكامنة خلف كل تلك الشروح تريد أن تؤكد هذا المعنى "قدره تقديرا" بدقة ووضوح، أحد الأساتذة وهو يشرح دور الجهود المقام بها في "استرجاع" النظام البيئي وعودته إلى حالته الطبيعية، يؤكد: لا يوجد أفضل ولا أنجع مما تقوم به الكائنات الحية نفسها من خلال العلاقات الطبيعية فيما بينها؛ كالتنافس والتطفل والتكافل والافتراس، أي اخلال بهذا التوازن من طرف الإنسان وتأثيراته المختلفة يصعب تعويضه، لأن كل شيء في الطبيعة موجود ب"القدر" الكافي لضمان استمرار الحياة.
استيراد طحلب واحد إلى بيئة غير بيئته الأصلية espèce invasive يؤدي إلى أضرار قد تكلف الدول ملايين الدولارات، وهو مجرد طحلب ليس حتى نباتا بسيقانه وجذوره ولكنه ينمو نموا سريعا بشكل هائل فيحتل مساحات شاسعة ويؤدي إلى انقراض كائنات أخرى وإلى أضرار بيئية تصل الإنسان في قوته وصحته.

الخميس، 8 يناير 2015

رأي

حضور المسلمين في الغرب اليوم،وجهودهم في التعريف بالإسلام وترميم صورته المشوهة عبر عقود من الزمن، مكسب استراتيجي مهم لصالح الإسلام،يقود في المنظور البعيد إلى التمكين لهذا الدين أكثر مما تقوم به بعض الدول التي تصفها نفسها بالمسلمة،ليت البعض يفهم هذا ويستوعبه!
هذا الجهد المعتبر الممتد على عشرات السنين، والذي عانت في سبيله أجيال من المسلمين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، صبرت وتحملت،وجاهدت،يتم هدمه الآن وفي لحظات معدودة من طرف شباب دفعهم الحماس المنفلت إلى الإساءة لمن اعتقدوا نصرته، صلى الله عليه وسلم.
لا داعي هنا للخلط وتحميل سياق وزر سياق آخر،كل المسلمين ضد الإساءة لنبيهم عليه الصلاة والسلام، ثم إنه غير خاف على أبسط شخص يفتح عينيه مرة في النهار أمام التلفاز مدى الاستهانة بدمائنا وأرواحنا التي تزهق بدم بادر ولا تجد من يدينها أبسط إدانة، هذا واقع حاصل لا ينكره أحد، بل أزيد أكثر ألما من ذلك، لقد شاهدنا قتل مئات المسلمين وحرق جثثهم في وضح النهار أمام الكامرات في ديار المسلمين، بل في أعرق بلدانهم،وبتحريض من بعض المسلمين!! ولم نجد معشار ما نجده اليوم من إدانة لهذا الهجوم،ليس فقط عالميا بل حتى بين بعض المسلمين،هذه لوثة أصابت الكثيرين، وأصابت إنسانية هذا العالم العجيب،إنسانية يدعيها كل أحد ويتشدق بها كل لسان، لكن الواقع يفضحها!
الانطلاق من مآسي هذا الواقع ورميها في واقع آخر وسياق يختلف لتقييم ما حصل، سهل ومريح نفسيا لكنه لا يفيد شيئا في البناء التراكمي لرسالة الإسلام والذي ساهمت فيه الجاليات المسلمة بجهد معتبر، كأن الأمر أصبح مجرد "تنابز" بالقتل والقتلى، تقتلوننا، فنقتلكم، لم تألموا لحالنا فلتذهب أرواحكم للجحيم، متناسين أن مسرح هذه الجريمة أرض بها مئات آلاف المسلمين يبنون ويرممون صورة مشوهة ويُراد لها أن تظل كذلك ويُراد لنا نسهم في ذلك من حيث لا نشعر، وأننا أولا وقبل كل شيء حملة رسالة للعالم أجمع، وإن ألصق صفة بنيبنا عليه الصلاة والسلام هي تلك التي أقرها القرآن وزرعها في عقيدة كل مسلم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" إن أخذ هذا الاعتبارات مهم لتقييم مثل هذه الأفعال تقييما ينظر في المآلات البعيدة،ويستحضر تبعات هذا الهجوم.
صلى الله على القائل "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة" هل فقه منفذو الهجوم هذا المعنى وهل تربوا عليه؟ وهل عرفوا مدى إساءتهم لجزء من أمته عليه الصلاة والسلام؟ يعاني الآن بسبب هذا الهجوم ليس فقط على نفسه وعرضه، بل على رسالة الإسلام ودعوته التي لم يبذل المهاجمون شيئا في سبيلها، ويدفع من ضحى من أجلها جريرة فعل هؤلاء الذين لاذوا بالفرار وهربوا من التبعات كعادتهم؟!

رسالة تضامن

وصلتني اليوم هذه الرسالة التضامنية،من الأسرة التي أؤجر من عندها الشقة التي أسكن،السيد رنى وزوجته السيدة مونيك. سعدت بها جدا.
----
Cher Hammoud,
Tandis que montent les violences et les intolérances autour de nous, nous voulons te dire que, pour nous, l’Islam dont tu témoignes est une religion de respect, de fraternité, d’amour de l'humanité, de la vie. Nous avons conscience que les musulmans dans leur ensemble sont les principales victimes des crimes perpétrés par ceux qui clament leur haine et tuent en criant Allah Akbar. Dans les mois qui viennent nous nous opposerons aux voix qui dans notre société chercheront à installer les amalgames dont se nourrit l’islamophobie, contraire aux valeurs de liberté et de laïcité qui fondent l’idéal du vivre tous ensemble quelles que soient les religions auxquelles nous croyons ou pas.
Bien affectueusement
René et Monique
---
عزيزي حمود،
في الوقت الذي تظهر فيه أعمال العنف والتعصب من حولنا، نريد أن نقول لك؛ إن الإسلام الذي تتمثله هو بالنسبة لنا دين احترام وأخوة، دين محبة للإنسانية والحياة.
إننا ندرك أن المسلمين في مجموعهم هم الضحية الأبرز لهذه الهجمات التي ارتكبها من يعلنون الكراهية والقتل ويهتفون "الله أكبر".
في الأشهر المقبلة سنقف ضد تلك الأصوات في مجتمعنا الساعية إلى تحميل المسلمين جريرة هؤلاء عن طريق التعميم المغذي لظاهرة "الإسلاموفوبيا" على عكس قيم الحرية والعلمانية التي تشكل دعامة للعيش الأمثل لنا جميعا، مهما كانت المعتقدات التي نؤمن بها أو لا نؤمن.
مودتي
رنى و مونيك.