الخميس، 13 مايو 2010

من خواطر البحر ... ومات مساء "السبت"!!

لحظة المساء تلك لم تكن عادية في إيحاءاتها وما خلفته في النفس ... لم يكن بمقدوري أن أظل معرضا عن جمال الكون بحجة تافهة: كوني أراه كل مساء وصباح! ، ذلك المساء حدثني البحر بهمسه المبلل وهو يمدد بلطف وهدوء أمواجه البريئة من تحت قرص الشمس المحمر، الذي بدا وكأنه يودع بخجل نبيل مساء يوم "السبت" ، إنها روعة مراسيم احتضار النهار تطارد فلوله نسائم الليل بحنان لم تألفه ميادين القتال وباتساع لم يترك للنهار المهزوم أي زاوية من الكون ليختبأ بها ، كان الضوء يتمدد ببطء وبانتظام عجيب يملأ العين لحد الشبع والامتلاء ، فسبحان مكور الليل على النهار .
لطالما سمعت عن لحظة الغروب وعن جمالها ، ولكن لم أوفق للتمتع بسحر موت المساء وتقليب الليل والنهار إلا ذات ذلك المساء...كانت سفينة البحث "العوام" تعين على التدبر والتأمل وهي تمسح بتثاقل رتيب أمواج البحر بقوة ناعمة تخلف في الأذن إيقاعا مائيا تموت في أحضانه كل الأصوات ، كان أن تسمرت على حافة السفينة واقفا مشدوها أراقب بعفوية العقلاء وبدهشة الأطفال التي لاحدود لها قرص الشمس وهو يتبدد ويتلاشى في ذلك المحيط المتسع وقد ملأت عيني زرقة البحر وصفائه وكأنهما تستمدان نورهما من جماله ونقائه ، ثم بعد حين تعترضني الشمس ببساطتها ولونها الحزين لتكسر أفق الرؤية الممتد وتضع حدا لهوسها المتلهف لرؤية الأشياء وكأنه لاأشياء خلف قرص الشمس في نهاية المحيط.
إنه جمال الخلق وجلاله !!، هذا البحر الذي بدا قبل لحظات هائجا مضطربا وكأنه يحاول بعنف صفع السفينة لتغيب في أحشائه ، بدا بعد ذلك مسالما وديعا تنام فوق أمواجه طيور "البجع" آمنة مطمئنة في تبادل عجيب لقصة العنف والسلام على ضفاف المحيط !!!...
سلام على نهار "السبت" ذاك ، ماأقصر وداعه وما أروعه ..في لحظات ينتهي وإلى الأبد يوم من أيام الله ، ثم يغدو بعيدا في ثنايا الزمن لتنساه الذاكرة ويتلاشى من الوجدان،لأول مرة أودع الشمس حتى تغيب وأستقبل الليل وأنا واقف أراقب بصمت مهيب تبدد اللون الأصفر في ثنايا الغيوم في نهاية المحيط ، إنه الجمال القوي الذي لادخل لأحد فيه ، هو الله سطر ذلك في هذا الكون المهيب ، ولكن الناس في غفلة عجيبة! ، حين دعوت بعض زملائي للتمتع بجمال المشهد كان ردهم باهتا مؤذنا بخراب الوجدان وموت العقل : "إنه الغروب شمس تسقط وليل يأتي ، ماذا في الأمر!!!" الذي في الأمر أنه مشهد يتكرر بقوة وانتظام وجمال نابض غير مصطنع ولا مركب ومن فاته فعليه السلام.
أخذت أردد أذكار المساء وهي تلهج بحمد الله وعظمته وقدرته ومات نهار "السبت" بسهولة ويسر ، تماما كما تموت الأسماك الصغيرة وهي تخرج بحيوتها القوية من أعماق البحر في لحظات معدودة وأقبل الليل بظلامه الكثيف وبدا وكأن كل شيء في البحر يركن إلى صمت بالغ سوى الأمواج ،فهي مستمرة في حركتها الأبدية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق