الجمعة، 28 ديسمبر 2012

مذكرات هيداله

أنهيت قراءة مذكرات الرئيس السابق محمد خونة ولد هيداله ، لم أحس فيها بعاطفة التجربة ولا روحها لعل من أسباب ذلك أنه لم يحررها بنفسه ،أو لطبيعته (القوية) ...وهي أقرب لمقابلة صحفية مسجلة منها لمذكرات حية، ورغم ذلك تزودك بملامح الرئيس وبشيئ من تاريخنا السياسي.
هيداله: رجل بدوي بسيط، صادق جريئ ،وتاريخ من العسكر إذ ينقلب هذا على هذا وذاك على السابق، تحس فيها بمرارة "شكوك الإنتماء" كما سماها وبمجموعة من العسكريين "يأكل" بعضهم بعضا وبالإصرار و(الإقدام) أحيانا نحو المجهول ،
لم نتعرف من خلال المذكرات ماذا كان يقرأ هيداله؟ وماهي اهتماماته؟ من أثر فيه من قادة العالم، ولعل هذا أغرب شيء في فيها. ورغم أن الأسر كان حاضرا في التجربة ورغم "دعايته" في العنوان الرئيس: من القصر إلى الأسر فقد أراد هيداله أيضا أن يختم مذكراته بقصة الإعتقال مع فرسان التغيير...

الاثنين، 24 ديسمبر 2012

المؤتمر الثاني لحزب "تواصل" ... صورة من الداخل

شاركت كمؤتمر من مدينة نواذيبو في فعاليات المؤتمر الثاني للحزب لأمارس حقي في الترشيح والتصويت وتقديم الملاحظات والمقترحات والأسئلة مع حوالي سبعمائة مشارك من 48 مقاطعة من مقاطعات الوطن و20 وفدا من الجاليات الموريتانية في الخارج يمثلون أكثر من 73 ألف منتسب.
وهكذا وطيلة 3 أيام من العمل المتواصل أنهى المؤتمر جدول أعماله وحقق نجاحا باهرا بشهادة الكثيرين أسجل هنا كمؤتمر بعض المشاهدات والرسائل.
• رسائل الداخل بالأرقام
مثلت ولايات الداخل حضورا نوعيا في الكم والكيف وشكلت ولايات الشرق الموريتاني النسبة الأكبر في عدد المنتسبين فقد بلغ عدد منتسبي ولاية الحوض الغربي وحدها 25 ألف منتسب أي ما يعادل نسبة 34 % من كل المنتسبين وقد سجلت بعض المقاطعات في الداخل نسب انتساب أكبر من بعض مقاطعات انواكشوط التي تصنف على أنها معقل التيار الإسلامي !وفي ذلك رسالة واضحة أن الحزب أصبح حزبا وطنيا واسع الانتشار وأن من يصفه بغير ذلك لم يعد مدعوما بحقائق الأرقام... وقد كان لمداخلات المؤتمرين القادمين من الداخل تميز ملحوظ لمس فيها المؤتمرون وعيا سياسيا راشدا واحساسا بمسؤولية البناء، مداخلات من أمبود وواد الناقه ،من بوكى وأطار وتمبدغه وعين فرب وكوكي الزمال وروصو ومكطع لحجار وتامشكط وأزويرات ... عمقت معاني القناعة والحرص على صورة الحزب وأدائه بجرأة في النقد المسؤول وقراءة في خلفيات المواقف وتأثيراتها على الساحة السياسية في انضباط واضح وقناعات حزبية مبهرة لم تتكتل أثناء التصويت على رئاسة الحزب خلف جهة ولاقبيلة وهو ما أظهرته بوضوح نتائج انتخابات رئيس الحزب وذلك درس عميق يجلي حقيقة الانتماء الحزبي الأصيل والواضح لأعضاء الحزب في أنحاء الوطن ويرد على كل من يصفون الحزب بأنه حزب جهة أو قبيلة، لقد كان لروح الأخوة والوحدة التي ظهر بها المؤتمرون من مختلف الألوان والأطياف رسائل مطمئنة حين يتحدث "البيظاني" بلهجة "الزنجي" أو العكس تلمس معاني أخوة أصيلة هي أساس للوحدة والتآخي ومرتكز أساسي نحو المزيد.
• سؤال التغيير وبركات الشورى
قبل المؤتمر بأيام كثر الحديث عن التغيير وذكرت أسماء كثيرة واشتد ذلك قبيل التصويت على رئيس الحزب وسط حالة من الترقب والتخمين سادت أجواء المؤتمر فلا أحد يعرف إلى أين ستتجه إرادة الناخبين الحرة مع تعدد الخيارات، رغم أن البعض ينظر للتغيير نظرة قاصرة فلا يسمي تغييرا سوى ذلك الذي يطيح برأس القيادة ويأتي مكانها باسم آخر! ولم يتنبه الكثيرون إلى أن التغيير حسمته نصوص الحزب في المادة 57 من النظام الأساسي التي تمنع ترشيح رئيس الحزب وأمينه العام ورئيس مجلس الشورى أكثر من مأموريتين ويكون بذلك الرئيس الحالي محمد جميل منصور في مأموريته الأخيرة وهذا هو جوهر التغيير، تغيير تفرضه النصوص وتصونه وتحميه... ومن المهم التنبيه هنا للممارسة الديمقراطية الراقية التي صاحبت اختيار رئيس جديد للحزب، فقد أتيح للمؤتمرين الحق الكامل في الترشح والترشيح يتساوى فيه من امضى أربع سنوات في الحزب ومن هو حديث عهد به وبعد فرز تلك الترشيحات وانسحاب 11 مرشحا بقي ثلاثة من قادة الحزب البارزين في التنافس وقد أتيح لكل واحد منهم أن يخاطب المؤتمرين في خمس دقائق ليتم بعد ذلك إخراجهم من القاعة واستقبال 18 مؤتمرا من الأكثر معرفة بالمرشحين الثلاثة وهكذا ينادى باسم كل مرشح ويتقدم له ثلاثة مجرحين وثلاثة معدلين في ممارسة ديمقراطية لا نعلم لها مثيلا وقد أبان التجريح والتعديل عن مستوى راق من النقد المسؤول الذي يتجه للصفات والمؤهلات أكثر من الشخص مما أتاح صورة شاملة للمؤتمرين وهم أمام مسؤولية خطيرة وهو ما فاجأ بعضهم الذي يحضر لأول مرة للمؤتمر وهو يشاهد أبرز قادة الحزب اخرجوا من دائرة التقديس والمثالية إلى دائرة الخطأ والصواب وتقييم الإنجاز والمؤهلات لتقديم صورة مركبة وموضوعية للمرشحين وهو مالم يألفه الكثير ممن تعود أن يكون قادة الحزب فوق التجريح والنقد، وهكذا بدأ التصويت بعد توفير المعطيات اللازمة لاتخاذ قرار نهائي بشأن المرشحين الذين لم يرشح أحد منهم نفسه بل رشحه المؤتمرون وبعد عملية التصويت الحرة أمام وسائل الإعلام أعلنت النتيجة النهائية وبادر المرشحان الخاسران إلى تقديم التبريكات للمرشح الفائز وبالتعبير عن استعدادهم لخدمة الحزب في أي موقع كانوا مع فرحة عارمة في قاعة المؤتمر غلبت عليها العاطفة الصادقة في مشهد ديمقراطي حقيقي سيضع كل الأحزاب السياسية الاخرى في حرجه وتحت (مسائلته) ومن المهم هنا أن نشير إلى أن نسبة 21 % من المؤتمرين لم تمنح صوتها للرئيس محمد جميل منصور بل اختارت مرشحين آخرين وتلك رسالة مطمئنة تعبر عن التنوع وتعدد التقديرات لدى المؤتمرين فهم ليسوا اتجاها تصويتيا واحدا حتى ولو كان المرشح بحجم ومكانة محمد جميل منصور.
• نوعية التنظيم وربانية الاجتماع
لا تستطيع وأنت تحضر جلسات المؤتمرين إلا أن تلحظ بقوة أولئك الجنود المتميزين الذين يتعبون ليرتاح الآخرون ويصبرون وقوفا من الصباح للمساء موفرين أجواء مناسبة للعمل ، فتيان وفتيات متقاربين في السن سيماهم في وجوههم من أثر التضحية وآخرون من خلفهم يواصلون الليل بالنهار لا نعلمهم لكن الله يعلمهم... بذلوا جهدهم ووقتهم ومالهم لينجح المؤتمر، لقد شكلوا لوحة رائعة حين تمت دعوتهم في ختام المؤتمر وقوفا أمام المؤتمرين في مشهد متدفق بعاطفة التقدير وسط هتافات نشيد الحزب الذي تفاعل معه الحاضرون بقوة وبتناغم فني مؤثر ستظل صورته ماثلة أمام الذاكرة في أسلوب تنظيمي باهر من أروع ما رأيت...أما ربانية الاجتماع فقد كانت في التلاوات العطرة عند الافتتاح وأثناء الجلسات ودعاء الشيخ محمد الحسن ولد الددو عند بداية المؤتمر وفي اختتامه وفي إقامة الصلوات الجماعية في باحة القصر وكلمات العلماء والمشايخ طيلة ايام المؤتمر وتأكيدهم ربانية الجلسات واستشعار معاني الإخلاص والتضحية وعبادية العمل إنها مشاهد ربانية مباركة تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة .
إن تلك المعاني الإيمانية المبثوثة في هذا النشاط السياسي تعين على الاطمئنان وتلمس الصواب والتوفيق في القرارات الصادرة عن المؤتمر.
• مشروع جامع لمستقبل واعد...
هكذا اختار التواصليون شعار المؤتمر: مشروع جامع لمستقبل واعد فماذا عن المستقبل؟ لعله سؤال الختام ، فقد نجح المؤتمر في تجديد الهيئات والنصوص المنظمة له وانتخب قيادة شابة واعية وقوية (محمد جميل منصور رئيسا للحزب و د.الصوفي ولد الشيباني رئيسا لمجلس الشورى الوطني) بالإضافة لأعضاء مجلس الشورى والمكتب السياسي ونجح المؤتمر أيضا في نوعية الحضور الواسع والمتنوع من الضيوف سواء في الخارج (فلسطين،سوريا،السنغال،الكويت،مالي،المغرب،الجزائر،ليبيا،تونس،مصر،السودان،فرنسا،تركيا...) أو الداخل (كل أطراف المشهد السياسي ورؤساء سابقين) وطويت ثلاثة أيام من العمل المتواصل ، فهل انتهى كل شيئ؟
حين تحدث الرئيس في أول حديث له بعد انتخابه وفي ختام المؤتمر قال في إيجاز بليغ إن الوقت لم يعد وقت كلام بل وقت عمل وبناء وهي إشارة مهمة ومؤشر ايجابي فليس "تواصل" اليوم مجرد مجموعة محدودة معدودة ،لم يعد "تواصل" مجرد حزب وليد يتلمس طريقا في المشهد السياسي بل أصبح حزبا وطنيا واسع الانتشار متنوع المشارب ولم تعد القيادة المركزية "النواكشوطيةّ" كافية لاستيعاب الحزب وأعضائه الكثر بل لابد من قيادة مبثوثة في كل الأماكن والقرى والأرياف لتوجه وتشرح وترشد فالعاصمة رغم أهميتها السياسية لم تعد (الوطن) الوحيد للحزب، كما أن سؤال القيادة جدير بالتفكير والتخطيط له من الآن ولابد هنا من الدفع بقيادات جديدة (وهي موجودة) لها قابليات قوية باتجاه المناصب القيادية واعطائها فرصة للتجربة وتقديمها للساحة السياسية فقد كان التغيير ممكنا في هذا المؤتمر وقد اختار المؤتمرون إبقاء القيادة الحالية لكن المؤتمر القادم بحول الله سيكون التغيير فيه لازما (لن يكون حينها جميل منصور من بين المرشحين لرئاسة الحزب) لأن النصوص تفرض ذلك ومن هنا كان لزاما على قيادة الحزب التنبه لذلك والتخطيط له من الآن فمكانة جميل منصور كقيادي ناجح تحتاج وقتا للتعامل معها ولايصلح معها الانهماك في العمل التنفيذي حتى إذا حانت ساعة التغيير كأن الحزب لم يهيئ بديلا من عنده ويمكن الاستعانة هنا بالتشكيلة الحالية لمجلس الشورى الوطني وببعض العناصر الشبابية الفاعلة الموجودة في مناصب متواضعة وحتى خارج العاصمة نواكشوط فأربع سنوات في ساحة سياسية متقلبة صحبة قياديين مجربين كفيلة بإكساب الخبرة للعناصر الجديدة والإجابة على "سؤال" القيادة من الآن ولعمري إنه لسؤال كبير له تأثيراته القوية على مسار الحزب في المستقبل.


الاثنين، 3 ديسمبر 2012

تهنئة لأخي خالد

أبارك من أعماق قلبي لأخي وصديقي وزميلي خالد ولد باباه نقاشه لرسالة الدكتوراه في ستراسبورغ بفرنسا حول بنية أحد البروتينات المسرطنة (بروتين E6) الذي يتم إنتاجه من طرف فيروس hpv وقد تمكن بفضل الله مع بعض الزملاء من اكتشاف البنية الثلاثية الأبعاد لهذا البروتين مما قد يساعد في تصميم علاجات تستهدف هذا البروتين مباشرة وهي معلومة بالغة الأهمية ظل العلماء ينتظرونها منذ أكثر من عشرين سنة.أسأل الله له التوفيق في مسيرته العلمية والمهنية وأعجب كيف لانطالع مثل هذه الأخبار الهامة في مواقعنا الالكترونية التي تكتب في كل شيئ له علاقة بالوطن وله علاقة بغير الوطن.

الاثنين، 22 أكتوبر 2012

رواية الرصاصة

الرواية التي "أخرجت" لنا البارحة في التلفزيون الرسمي ظلت متماسكة(من الناحية الفنية) لحين أهم شيئ وأكثره أسئلة لدى الموريتانيين (إطلاق النار على الرئيس) كيف تم؟ فبدت متهالكة وتوقفت مغمضة العينين وسط "غبار السيارات"!!!...كان أجمل مقطع في "المسرحية" حين وقف بطلها على حقيقة من في السيارة فرأى ملثمين فأردف قائلا:"تبين لي أن الذي في السيارة(ماه أعل بابو)!!!"...كان المقطع الأروع والأكثر تعبيرا ...

الأحد، 15 يوليو 2012

إلى والدة المشظوفي


أيتها الأم الطيبة يا أم كل مكلوم ومجروح في هذا الوطن المحتجز، في قسمات وجهك الأصيل تفاصيل شهامة وكبرياء من شرف... من عينيك الحزينتين تسيل دموع كل الأحرار ،أنت الأصيلة في هذه الأرض والقتلة عابرون،أنت الوفية الطاهرة والقتلة سارقون،أنت البريئة النقية والقتلة مذنبون...أنت لم تسرقي أحلام الوطن بأن يعيش حرا وقد سرقوه في وضح النهار...أنت لم تنهبي باطن الأرض ولم تأكلي الحرام ، أنت أم لها الحق في الحياة في وطن ولدت فيه والقتلة غرباء، يا أمنا لا تخافي ولاتحزني فالله يتولى الظالمين.

الاثنين، 9 يوليو 2012

لحظة من لحظات البحر

البحر ليس متبلد الإحساس دائما، فرغم عنفه الأبدي وصفع أمواجه السرمدي، إلا أنه لاينفك "يفرج" عن بعض اللحظات الموغلة في الجمال تلك اللحظات التي يتصالح فيها المحيط الضخم مع كائنات صغيرة ووديعة رغما عن جبروت الشمس،تلك التي تموت بهدوء في أحضان المحيط وهي تذرف دموعها الحمراء ناحية "الغرب"كئيبة حزينة ،لاتحزني أيتها الشمس فغدا ستشرقين بيضاء نقية ناحية "الشرق"وستبتسم لك زرقة المحيط تراقص أشعتك في مشهد مهيب،سندي في كل ذلك هذه الصورة الملتطقة ذات مساء في غفلة من الغروب الذي حاول إخفائها بجحافل الليل وهي تطارد النهار الهالك وتسوقه سوقا.

الخميس، 21 يونيو 2012

لحظة من لحظات البحر...

البحر...لايهتم بالمبحرين على ظهره...لابمشاعرهم ولابأحاسيسهم!!!...ويظل في صخبه الأبدي واتساعه الكبير...حين تنظر تمتلئ عيناك من زرقة المحيط لتضع حدا قاسيا لهوس الرؤية اللامحدود...لاأشجار ولاشوارع ولامساجد! ولامتاجر ! ولاأناس يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام...لاأغنام ولاأبقار ولاسيارات...فقط زرقة متسعة يركب بعضها بعضا...
اشتقت للأرض حيث التنوع والحيوية ومللت "النمط الواحد" واللون الواحد..."شربت" عيناي من الزرقة حتى ارتوت و"شبعت" أذناي من عزف الأمواج حتى ملت...اشتقت إلى أن أمشي إلى المسجد وأصلي مع الناس وأسلم عليهم وأراهم في الطرقات...لكن البحر لايصغي إلي وهو في شغل من أمره مسكون ببلادته السرمدية .

الاثنين، 30 أبريل 2012

الاشتعال والقابلية للإشتعال

رؤية النار وهي تلتهم كتب الفقه ويد مَا تمتد إليها بالإسائة منظر لن يمحي من الذهن وجرحه الغائر سيظل طويلا،وكأن حريقا كان يشتعل في قلوبنا ونحن نتابع يدا حانقة تصورُ وأخرى تنظَر وثالثة تستحسن!! والضحية ليست -كما توهم بيران وصحبه-"كبش" العبودية إنما هو تراث فقهي يمثل مرجعية لهذا البلد نص الدستور عليها بمافي ذلك من قدسية شرعية وقانونية!... وكما قالت إحدى الفتيات المفجوعات بمشاعر صادقة خنقتها عبرة الدموع في إحدى المظاهرات المنددة:إننا نصبر على كل شيئ من الظلم والجور إلا الإساءة لمقدساتنا في وضح النهار...ولم يدر بيرامَ وصحبه أن الذي أشتعل ناحية الرياض ليس كتب الفقه المالكي التي انتشرت في الآماد بل "إيرا" وزعيمها الذي قضى "نحبه" النضالي والحقوقي إن كان أصلا من أهل النضال!.
 هناك تفسيرات كثيرة لما حدث فمن قائل يقول بأن الحادثة تمثل نهجا شخصيا متطرفا له حظ وافر من الطيش والنزق لزعيم حركة "إيرا" بعد أن تهجم على علماء هذا البلد الأحياء منهم والأموات، وهناك من  يرى في الأمر خطة أمنية لإلهاء الرأي العام عن مسيرة الرحيل المزمعة وعن احتجاجات الشارع المتصاعدة ويخشى من صرف الأنظار عن مسار التصعيد المتزايد والبعض الآخر يرى في الحدث بداية لسلسلة كان ذلك أولها، وسواء صح ذلك أو لم يصح فإنه من المهم تسجيل الملاحظات التالية:
  • الإدانة بحجم المدان
الإدانة لهذا الإجرام والمنكر الشنيع ينبغي أن تكون قوية وواضحة ومستقلة والاستقلالية هنا تعني أن لاتكون على هامش نشاط آخر أو متضمنة في بيان لشأن آخر-مهما كان- فلاتزر وازرة وزر أخرى، في الوزر وفي التنديد به، ومناكفة الباطل والجور لاتتجزأ ولاتتأجل على أنه من المهم التأكيد على أن التعبير عن تلك الإدانة والاستنكار ينبغي أن يكون عنصر الفعل فيه أقوى من عنصر الزمن،أي أن يكون بحجم مسيرات الرحيل  ومهرجاناته دون أن يمتد كثيرا في الزمن كما تخطط لذلك الآلة الإعلامية الرسمية وهي تدشن لتغطية الإلهاء في سنة عجفاء!.

  • التلفزة المغوارة
وجدت التلفزة الوطنية المهووسة بالجماهير فرصة نادرة لإظهار "شعبية" السيد رئيس الجمهورية والجماهير تتجه إليه وتلتف حوله وكأنه ناصر السنة ومميت البدعة،إذ يخرج من قصره المنيف بعد أن تغيب عن المسيرة كلها ليعتلى المنصب فجأة -وهو صديق المفاجآت-ليخطب فيهم ويقول في آخر مقولاته أن موريتانيا ليست علمانية وستطبق الشريعة في المخالفين!! فلتطبقها إذن ياأمير المؤمنين وكلنا معك وخلفك ولتبدأ بتطبيق حد السرقة، ولكم ستقطع من أيادٍ ناعمة لم تخشوشن قط!
  • الجدال قائم
تعيد الحادثة الشنيعة التي أقدمت عليها حركة "إيرا" الجدال في قضية العبودية وإن بعنوان خطأ هذه المرة وهو مايتطلب جهودا صريحة سواء في الجانب الشرعي أو الاجتماعي لوضع حدٍ لمخلفات الظاهرة ولتسجيل موقف فصلٍ من أهل العلم كافة وتفويت الفرصة على أطراف تقتات "بنضالاتها" وتركب ثغرات موجودة فعلا تحتاج لوقفة جريئة من لدن أهل العلم وليس على طريقة التلفزة كما في ندوتها البارحة حيث بدت مقيدة وكأنها تتجه لفكرة واحدة وتبشر بخطاب جديد لرئيس الدولة.
  • بيان"تواصل"
نال حزب "تواصل" حظا كبيرا من الانتقاد بسبب موقفه الذي وصفه البعض بالباهت والبارد ودون المستوى مقارنة مع بيانات أحزاب وهيئات أخرى لاتصر على المرجعية الإسلامية كما هو حال حزب"تواصل"، والذي ينظر إليه البعض نظرة أكثر رحابة وقوة بحكم تاريخه ونضاله وصفته الإسلامية وهو عتب له مايبرره حسب وجهة نظري البسيطة -وأنا تواصلي حتى النخاع- فبيان الحزب يعبر عن موقف فكري يتحيز للرؤية المركبة التي تستحضر السياق ولاتريد أن تستل الحادثة من تداعياتها التاريخية والفقهية ويقدم الحزب بذلك موقفا أقرب للموقف الفكري الهادئ منه إلى تعبير عاطفي حي يناسب فظاعة الحدث ويتجاوب مع مشاعر المسلمين في هذا البلد وهي تحس الإهانة وتنتفض بعنفوان شديد غصبا واستنكارا لما حصل وهو حسب تقديري المتواضع خطأ في الصياغة وفي تقدير الظرف والسياق كان الأولى التنبه له ولايزال متاحا للحزب بحيويته تصحيح ذلك واستدراكه.
نحن الآن في مرحلة جديدة لها مآلاتٌ عديدة قد تكون تداعياتها أكبر من الحادثة نفسها إذا لم نتعامل معها بالشرع والقانون والحكمة فعلى النظام الحالي أن لايتاجر بالنار فهي شديدة الإشتعال وقادرة على أن تلتهم الجميع خصوصا من الذين يلبسون سياسات جاذبة للإشتعال!  ، كما على المعارضة أن تنظم مهرجانا ضخما للتنديد بوضوح وقوة بماحدث وأن لاتحملها أهداف سياسية آنية على أن تخسر مصداقيتها الأخلاقية والجماهرية فتظل مختبأة خلف تفسيرات معينة فيتخطاها الناس قوة وصدقا ووضوح تعبير..،فنار بيران اشتعلت تعبيرا عن طيش ونزق وحقد لم يتبين طريقا سالكا للنضال مع أن النضال هو الأحوج للوضوح وصدق القضية، لكن قبسا من تلك النار لايزال حيا تتلقفه بعض الأيادي قادر على إشعالها إذا لم تتحيز للشرع والقانون والحكمة والأخلاق، تماما كما اشتعلت النار في زعيم حركة "إيرا"  ذات مساء في ناحية "الرياض" قريبا من المقبرة الكبرى.

الأربعاء، 14 مارس 2012

البَزَّةُ الزَّرقاء

بعد أسابيع من طلاء الأبنية والجدران وكنس الشوارع وترحيل القمامة الماكثة أبدا وسط المدينة!! بعد حملة توزيع لمواد غذائية "منتهية البراءة" !! وبعد حشد قبلي لافت توجته لافتات وخيام مضروبة في شوارع المدينة وكأنما هي حملة رئاسيات!! ... بعد تعبئة متواصلة اختلط فيها المهني بالسياسي وكرست فيها وسائل الدولة في وضح النهار! وبعد "استيراد" مشبوه للمدراء والوزراء والوجهاء ومن لف لفهم لدرجة سببت اختناقا مروريا في شوارع المدينة وهي الوديعة التي لم تخنق سيارة من قبل!!، بعد كل ذلك جاء خطاب الرئيس دون توقعات ساكنة المدينة وبدا مهرجانه مرتبكا حتى لكأنه مفبرك!

  •        بداية مرتبكة:
لأول مرة لاتتحدث المدينة عن نفسها ، لايتحدث العمدة باسم سكان بلديته مرحبا ومقدما مشاكل المدينة، وفجأة وبدون مقدمات دخل الرئيس على الخط،تماما كما دخل تاريخنا فجأة ذات فجر من أغسطس!أخذ يتلو أرقاما كبيرة تحولت بسرعة بالغة إلى مليارات الأوقية ولأن الرئيس قرأ في عيون الحاضرين وفي ملامحم الأصيلة سؤالا واردا:أين كل هذه الأموال سيدي الرئيس؟ وأين صاحبي حسن! على طريقة أحمد مطر،طرح الرئيس السؤال نفسه على نفسه وأجاب ...وفي إجابته دخن!

  •        لافتات معبرة:
لأول مرة في تاريخ مهرجانات الرؤساء تتفوق اللافتات الأصيلة المعبرة عن واقع الناس البسطاء على تلك المستوردة البائسة التي خطت خارج سياق الفقر والتهميش والظلم،لقد قرأ الرئيس أمامه لافتات تخط مشاكل الأساتذة والطلاب والبحارة وأهل الجديدة وأخواتها...وبدت لافتات أخرى كتبت فيها عبارة "الدعم اللامشروط" كسيحة ملتوية لاتستقر على حال من التعبير وقد لفها خجل لافت وهو مادفع السيد الرئيس لأن يعلن في وجوه أصحاب تلك اللافتات:أنزلوا لافتاتكم لأرى كل المواطنين وقد نسي أن أولئك الحاضرين لم يأتوا من أجل عيون الرئيس بل ليعبروا عن آمالهم المشنوقة وأحلامهم المغتالة بعبارات ديماغوجية مملة ماعادت تخدع أحدا.

  •        البحارة الشجعان:
فقد كانوا في المقدمة ليصرخوا بالظلم الواقع عليهم ،لقد علمهم البحر أن يجهروا بأصواتهم فحين تحدث الرئيس قالوا بالحرف الواحد:كذب، كذب، كذب.. وهو مادفع الرئيس لأن يرد عليهم بمقولته الغريبة:أصحاب اللحى هم من يكذب أما أنا فلالحية لي ومع ذلك لاأكذب عليكم! البحارة سيدي الرئيس لم يحضروا لنقاش حول اللحى فليس هذا سياقه ولاالمتحث محله كل همهم أن ينصفوا من الظلم والتهميش الواقع عليهم في وطنهم لكن كيف ذلك وقد استقدم الرئيس عليهم أهل "الصين" يستنزفون مابقي من سمك المحيط!


  •       مقاطعات مستمرة:
الرئيس في خطابه باغتته المقاطعات مرارا من الأساتذة والبحارة والطلاب وسكان الترحيل فحين أطال الحديث في العموميات وتصفية حسابات مع ابن عمه حتى لكأن كل حديثه كان موجها له ،فهو المفسد الوحيد! وهو المتضرر الوحيد من ارتفاع الأسعار!! حين كرر تلك العموميات ردد الحاضرون هذه عموميات سيدي الرئيس تحث عن مشاكل المدينة مما اضطر الرئيس مجددا لأن يخاطبهم :هذه عموميات لكن دعوني أكملها سوف أتحدث عن مشاكلكم...أحد الحاضرين كان أكثر جرأة حين ردد بصوت واضح تسرب إلى مسامعنا في غفلة من فنيي التلفزة المهره! فقال مرارا: "مان أمرحبين أبعزيز" مما أضطر أبطال البث المباشر أن يقطعوا الصوت وقد نسوا أن الصوت وصل وأن على التلفزة حين تتشجع لتغطي المهرجان بشكل مباشر أن تتحمل تبعات تلك "الشجاعة"!! وعليهم أن يعرفوا من الآن بأن "المباشر" أصدق من "الإعادة" ولاتزال التلفزة تصدق وتتحرى الصدق حتى تكتب عند الرئيس صديقة!!

  •       أسنيم تدخل على الخط:
لاحظ الكثير من أبناء المدينة والعارفين بأحوال التعبئة والحشد دخول شركة أسنيم بكامل ثقلها ، بحافلاتها وإمكانياتها في التعبئة للسيد الرئيس مما دفع أحد الحاضرين لأن يقول : هذا مهرجان أسنيم! وهي سابقة جديدة في تاريخ المؤسسة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!!
تلك خمس من  الملاحظات السريعة أعلم أن التلفزة الوطنية لن تعرضها، طبعت مهرجان الرئيس وهو في مجمله يذكر بخطابات ولد الطايع في آخر عهده بعد شبه كبير معه في طريقة الحشد والتعبئة. الجديد فقط أن الناس كسرت حاجز الخوف وأخذت تقاطع الرئيس علنا وبصوت حاد ، حتى أن بعض الشباب كانوا عند منصة الإنعاشات الفنية قبل مقدم الرئيس وكانوا يستمعون لأغاني "أولاد لبلاد" بعزفها الثوري وكلماتها الناقدة وفجأة قطعت الأغاني ليأتى بالفنانة كرمي بنت سيداتي فما كان منهم إلا أن رفضوا ذلك ورموها بالحجارة!وهو تطور لافت في الحراك النضالي والثوري الذي ينتصر أخيرا على الأغاني الناعمة المد جنة! فما عادت تطرب سمعه تلك الأغاني حتى ولو كانت صاحبتها بنت سيداتي!
كنت قد همست قبل أسبوع للسيد الرئيس أن يؤجل زيارته للمدينة أو ينساها للأبد فمشاكل أهلها منسية وما بعد الهمس من حديث، أما وقد حضر الرئيس وخطب في الناس خطابا طويلا فإنه يمكن القول أن سيادته لم يحمل إلينا من شيء له علاقة بالمدينة سوى لون "بزته" الزرقاء إنها تماما مثل زرقة المحيط! ! !.

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

إليك قبل مقدمك إلينا، سيدي الرئيس...

القاطن مدينة نواذيبو هذه الأيام يشاهد بشكل مفضوح "إعادة" مشبوهة ل "طريقة" ولد الطايع في حشد القبائل وإرسال "بعثات" الحزب "المطبل" البئيس قبل مقدم الرئيس، فتسمع في كل مرة عن اجتماع قبلي هناك وعن آخر يتصدره "وزراء" و"مدراء" يبشرون بمقدم "رئيس الفقراء" لمدينة منسية من يوم ولدت، تستلقي كل ليلة في وقت متأخر من "محاربة الفساد" على محيط يزخر سمكا وتستيقظ كل صباح من نعاسها الطويل على ضجيج قطار يمتلئ حديدا ، حظها من الأول "روائح كريهة"تنبعث من مصانع "دقيق السمك" تغتال نسائم البحر العليله، ومن الثاني ضجيج قطار يصك الآذان ويواصل نهبه السرمدي لمعادن الوطن النائمة ناحية "كدية أجل".
فهل لمقدم "البعثات" من معنى ؟ ...وفي "أحياء الترحيل" تم التخلص من "الفقراء" وتركوهم هناك يتقاسمون زمهرير البرد في أكواخ بالية، ينتظرون كل ليلة قدوم كاسبهم بعد رحلة طويلة من البحث عن سيارة أجرة تجفل من كل واقف ينطق هذا الاسم : "الترحيل" والذي أصبح أخيرا مكبا للنفايات ، وفي حي "الجديدة" هدمت دور على أهلها بحجة القضاء على "الكزرات" ونسي أصحاب القرار أن وطننا بأسره ماهو إلا "كزرة" مختطفة ليس لأصحابها "حق شرعي" في امتلاكها.
هل لمقدم "البعثات" من معنى و"الصين" تسابق الزمن ناحية "الميناء" للإجهاز على الباقي من أسماكنا البريئة...أي معنى وليس لنا في هذه المدينة من مغنم سوى "مناخ بارد" وهبه رب العباد لهذه الأرض، أما غير ذلك فأسعار لاتعرف سوى الصعود، فمتى تهبط يوما أسعار "قنينات" الغاز!! متى يعود لسالف عهد "أرزنا" و"سمكنا"، ليس في زمنكم سيدي الرئيس-حتى الآن-.
سيدي الرئيس لقد شاهدنا "البلدية" تشمر عن ساق الجد - وهي ساق هزيلة- مدشنة حملة تنظيف لأحياء"الترحيل" و"النيمروات" و"الجديدة" و"لعريكيب" ...احتفاء بمقدكم وكأن أهل الأرض الماكثين فيها منذ زمن ليسوا سوى "نفايات" لا تضرها النفايات، وحين تغفلون من سفرتكم الميمونة سوف يعود الحال كما كان قمامة في كل مكان ، قمامة جريئة تحتل وسط الطريق المعبد في غفلة من "البلدية" وعمالها..لا بل بمباركتها،،فأي معنى إذا لزيارتكم سيد الرئيس والحال كماترى...
سيدي الرئيس إن أردت المجيء إلينا فلتأت بلا مقدمات بلا رتوش،الناس هنا ماعاد يأسرها خطاب عن محاربة "الفقر" و"الفساد" وواقعها يشهد خلاف ذلك، سئمنا من "تلفزتنا الوطنية" وهي تكرر مأساة الإعلام وتعيد إنتاج نفس المقاطع لاأحد يستمع إليها فالناس هنا في شغل من أمرهم.
إذا قدر وأن قدمتم إلينا فلتترجل سيدي الرئيس ولتدخل المدينة دارا دارا زنقة زنقة وسترى حالها وحال أهلها ، أما مايطبخ في الإعلام فلاعلاقة له بواقع المدينة إنما هي "تجارة" يأكل بها بعضهم على حساب البسطاء من الناس.
لطالما بالغت المدينة في صمتها وهدوئها المهيب ولكنها اليوم تأن وتصرخ فلتسمعوا صراخها سيدي الرئيس،وإياكم وحديث قوم قدموا بمقدمكم وسيغفلون بسرعة بالغة يوم تنهون زيارتكم،الباقون في الأرض هم أهلها لاأولئك القادمون برجلهم وخيلهم ومالهم يريدون اقتطاع يوم من الزمن ملفوفا بزينتهم و"أشيائهم"التافهة ليوهموك أنه يوم عادي من أيامنا ، كلا سيدي الرئيس فأيامنا غير ذلك، فلاتدعهم يغالطوك كما فعلوا من قبل بسلفكم وهم مستعدون الآن لفعل ذلك بخلفكم.
سيدي الرئيس إذا أردت القدوم إلينا فلتخطب في أحياء "الترحيل" ولتتجول هناك لترى مأساة وزارة الإسكان والإعمار،ماأسكنت أحدا وما عمرت أرضا،لكنهم سيأتونك بثلة من المغرر بهم ليوهموك أن الناس بأحسن حال،لاتستمع إليهم فإنما هي حيلة من حيلهم الأصيلة.
وأخيرا سيدي الرئيس دعني أهمس إليك فالهمس أولى من الصراخ:
إن كان بإمكانكم تأجيل الزيارة لأجل غير معلوم فذلك أحسن لأن أحلامنا لاتزال   مؤجلة لأجل غير معلوم.
إذا كان بإمكانكم نسيان زيارتنا للأبد فلتفعلوا فإن مدينتنا منسية منذ أمد.

الخميس، 23 فبراير 2012

على متن السفينة


هذه الصورة على ظهر سفينة الأبحاث العلمية الروسية "Atlantniro" بصحبة الباحث Mylnikov Nikolay: قائد المهمة العلمية...ما أود الإشارة إليه أن صاحبنا هذا يبلغ من العمر 103 سنوات ولايزال شابا أكثر مني يبيت ساهرا مع صيد الشبكة يمضغ السجائر...حين سألته : ألم يتقدم بك العمر كثيرا؟ أجاب: كلا لازال في العمر متسع ولدي طموحات كثيرة أرغب في تحقيقها ، ثم يبتسم ...ماذا يعني لك ذلك؟؟؟.