الخميس، 16 يونيو 2011

بين فريقين

فجأة وبدون تمهيد إذ بنا أمام اتفاقية تستهدف الثروة السمكية السطحية موقعة بين الدولة الموريتانية وشركة "كذاش" ....ليحتدم النقاش بين مؤيد ومعارض وليختم الصخب بتمريرها داخل قبة البرلمان. 
الإتفاقية يكتنفها الكثير من الغموض وصاحبها من اللغط أكثر من ذلك...فلا مؤيدوها وفقوا في الدفاع عنها بشكل علمي ومنطقي، لقد أختاروا الدفاع الأجوف والتبرير الأعمى...وكان بإمكانهم  أن يجدوا فيها مايدعم حجتهم لو بذلوا جهدا في الوقوف على بعض المعطيات العلمية، فحسب الاتفاقية فإن  الكمية التي سيتم صيدها سنويا بموجب الاتفاقية تتراوح من 80 إلى 100ألف طن وعندنا وفي مياهنا الوطنية تصطاد الزوارق السنغالية مايقدر ب 300ألف طن سنويا بدون مقابل!!!  
كما أن الصيد السطحي المنصوص عليه في الاتفاقية حسب بعض العلميين سوف يستهدف بعض الأنواع السمكية التي لازال مخزونها غير مستغل مثل نوع L’anchois (Engraulis encrasicolis)  والتي تشكل قيمة اقتصادية كبيرة ومخزونها في العالم  يعاني فرط الإستغلال أو في حالة إستغلال أمثل (FAO .2004) على عكس مخزونها في الشواطئ الموريتانية والتي يتم فيها صيد هذا النوع بشكل ثانوي ليتم تحويله إلى دقيق السمك ...والطريقة الأمثل التي تلائم صيد هذا النوع من الأسماك هي تقنية  chalutier à bœuf  وقد نصت الاتفاقية على استخدامها عن طريق 5 سفن مزدوجة أي مامجموعه 10 وقد سبق استخدام هذه التقنية في اتفاق مع الصين  سنة 1996، وحسب بعض الباحثين العلميين فإن السفن العشرة المتخصصة في صيد الأعماق ستستهدف بعض الأسماك التي لاتعاني من فرط الإستغلال والتي يحتمل أن تكون ذات تأثير على مخزون الأخطبوط (المخزون الأكثر استغلالا والأهم من الناحية الاقتصادية) هذا طبعا إذا تم احترام الاتفاق ،.كان بإمكان نواب الأغلبية والمدافعين عن الاتفاقية تقديم معلومات من هذا النوع وهي متاحة لكنهم للأسف لايبذلون جهدا في  تدعيم حججهم بحقائق علمية إنما يهتمون فقط بتمرير المررأصلا والمعطيات العلمية التي يركنون إليها في هذا المجال تثير السخرية كقول أحدهم إذا لم نتدارك ثروتنا السمكية ستهاجر إلى السنغال أو مالي على أن مالي لاشواطئ لها! أو كقول آخر :إن الثروة السمكية السطحية ثروة مهاجرة وإن لم نتداركها فستكون بين احتمالين إما أن تهاجر عنا باتجاه الدول الأخرى ليصطادوها أو تموت ليأكلها سمك آخر وفي الحالتين لانستفيد ولقد ردت عليه إحدى زميلاته في البرلمان :"ليس بهذه العقلية تقيم الثروة السمكية السطحية،إنها دورة حياة سيدي النائب المحترم". 
كما أنه كان بإمكان المعارضين لها تقديم معلومات أخرى أكثر منطقية وعلمية بدل عبارات"اللعنة" و"الكارثة" و"الخيانة"  التي تخفف من الغيظ المتراكم لكنها لاتنفع كتبريرات علمية منطقية...فمثلا حسب الاتفاقية في نسختها التي وقعها وزير الصيد ونشرها موقع cridem هناك 100 رخصة لسفن الصيد التقليدي والتي ستقضي نهائيا على صيدنا التقليدي بحكم الفارق بين القدرات الفنية والأخطر من ذلك أن الاتفاقية سوف تخلق سوقا صينية تشتري كل مايتم تفريغه على الشواطئ بحجة تصنيعه مما يشكل خطرا كبيرا على السوق المحلية وعلى سعر السمك وبديلا عن الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك SMCP  ولعل ذلك من الفوائد"المقنعة" لصالح الشريك، هذا بالإضافة إلى إن كل رخص الصيد الممنوحة والتي يبلغ عددها 152 كلها في سنة 2011 و2012 وفي ذلك مافيه!!!!
الاتفاقية تنص على أنها تستهدف الصيد السطحي-وهو مخزون لازال قابلا للاستغلال- ويعاني من لوبيات وطنية تستغله بدون مقابل ولعل الصين أكثر فائدة علينا من رجال أعمال لايهتمون سوى بمصالحهم الضيقة على حساب ثروة الوطن...لكن الاتفاقية وبنصها سوف تستهدف صيد الأعماق الذي يعاني من فرط استغلال تجاوز 30% من المخزون القابل للاستغلال حسب نتائج الدراسات التي يقوم بها المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP.وذلك عن طريق 15 سفينة لصيد الأعماق 5 منها بعد إنجاز الاستثمار على الأرض حسب نص الاتفاقية ،يشار إلى أن عدد السفن الصناعية تراجع من 410 سنة 2002 إلى 185 سفينة سنة 2010 حسب مجموعة العمل 2010 المنظمة من طرف IMROP.إذن الأسطول الصناعي الذي يستهدف صيد الأعماق شهد تناقصا معتبرا في عدد السفن بحكم عدة عوامل منها مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي وكذلك نقص في عدد الرخص التي تستهدف صيد الأعماق محاولة من الدولة الموريتانية للرفق بثروة سمكية في حالة صعبة ،لكن الصين عندنا شأن آخر15 رخصة صيد في الأعماق الموريتانية!!في ظل تخفيض ملحوظ في عدد الرخص الخاصة بصيد الأعماق.
باختصار نحن بحاجة لاتفاقيات تستغل الثروة السمكية القابلة للاستغلال  لاتلك المستنزفة أصلا، بحاجة لإيجاد ثقافة تصنيعية وخلق قيمة مضافة للكثير من الأسماك السطحية التي تزخر بها شواطئنا ولم يتم استغلالها حتى الآن، لكن بشكل معقلن ومقنع وواضح عكس حالة الاتفاقية الأخيرة اللهم إلا إذا كانت هناك عائدات "مقنعة" لم يعلن عنها للملأ من قبيل (طائرات، دبابات....الخ) ، كما أننا بحاجة إلى تنوير الرأي العام بالحقائق العلمية خصوصا في هذا المجال. تلك الحقائق يتم تغيبها عن جهل-حال الكثير من المدافعين عن الاتفاقية- أوعن قصد-حال الحكومة الموريتانية- والضحية ثروة بلد منهك، أبناؤه أشد خطرا عليه من الصين والهند والسند وقادته لاتهمهم المعطيات العلمية،حكى أحدهم أن مسؤولا كبيرا في الحكومة الموريتانية سأله بعض السياسين لماذا لايتم تسديد رواتب موظفي المكتب الوطني للإحصاء فرد عليه : ومافائدة هذا المكتب فمهمته ( الإحصاء) تقوم بها الحالة المدنية!!!! من يفكر بهذه الطريقية البدائية لايمكن أن ينهض ببلد مثقل بالإخفاقات التنموية.


الاثنين، 25 أبريل 2011

خواطر"زيارة رئيس"...


المدينة الساحلية بهدوئها وبردها وهي مستلقية على ضفاف المحيط، تتحسس من القادمين إليها من يوقظها من نعاسها الطويل ...كانت في مساء السبت 23 أبريل 2011على موعد مع لحظات حفرت عميقا في التاريخ وامتدت طويلا في الوجدان ،طول سكة القطار ...
ليس من عادتي الحديث عن "الأشخاص" إلا حين يسطرون أصدق وأنبل مافي الإنسان فيأخذون بمجامع القلوب والعقول والأسماع والأبصار ويواصلون رحلة الإمتاع...ليست المرة الأولى التي ألتقي فيها "محمد جميل منصور" وليست الأولى التي أستمع إليه فيها أوأسمع عنه،ولكنها كانت من المرات النادرة التي تتقاسمني فيها الأحاسيس وتتدافعني الخواطر ويتملكني الإعجاب فأهيم  بالحروف لعلها تحمل عني بعضا من تلك المشاعر المتقدة الباحثة عن مستقر...
المناسبة باختصار كانت على هامش -عفوا- بل في عمق فعاليات المؤتمر الثاني لشبيبة الإصلاح والتنمية في مدينة نواذيبو، حين أعلن عن محاضرة بعنوان:"العمل السياسي بين الموسمية والاستمرارية" مع رئيس حزب "تواصل".
أخذت مكاني في وسط القاعة وهيأت نفسي للحدث وكانت تتوزعني رغبتان الأولى في أن أستمع بعقلي وقلبي والثانية أن يجد كل الحاضرين بمختلف أعمارهم وأفهماهم نصيبا من المحاضرة... دخل المحاضر فتوالت تعبيرات الترحيب وصخب التصفيق فأحببت لو قضت بسرعة تلك التعبيرات، فقد حبب إلي الهدوء في حضرة جلال العلم وجماله، بدأت كلمات الترحيب وتوالت أخرى... ليحين دور "الرئيس" فأخذ من اللحظة الأولى بالعقول والقلوب وأطبق صمت مهيب في المكان فلا تكاد تسمع إلا تصفيقات متوالية في ثنايا الكلام أدهشتها اللحظة فحركت الأيدي تعبيرا عنها...
كان كأنه ينتقي أطايب الكلام فجمع في حديثه ثلاثة معان ميزت خطابه كله: الأصالة والوضوح والقبول أوبتعبيرآخر:"التأصيل الشرعي" و"المنهجية المتسلسلة الواضحة" و"الكاريزمية القوية" ،أو بثلاثة أخرى:"العلم الشرعي" و"الفقه السياسي" و"الفاعلية المأثرة"...كان يستشهد من القرآن والسنة وأقوال مالك وشيخ الإسلام وابن حجر ويفصل ذلك على واقع السياسة وشأن الناس بفهم عميق ووضوح كبير...
سأل سائل عن الفرق بين الدولة المدنية والدينية فأجابه المحاضر جوابا جمع بين الفقه والسياسية والوضوح فبين أن الخلط بين المفهومين سببه عدم التفريق بين مصدر "الشرعية" و"التشريع" فالأول من حق الناس والثاني لله وحده والدولة الدينية هي تلك التي تجعل الشرعية من حق شخص أو مجموعة باسم الدين والمصطلح دخيل على الفكر السياسي الإسلامي...وانتهت بذلك في كلمات معدودة إشكالية كبيرة.
كان يتحدث عن الواقع السياسي بوضوح وأصالة تندر في رجال السياسة وكان لكل حاضر نصيب من المحاضرة فقد وجد فيها طالب العلم الشرعي قصده في وضوح التأصيل الشرعي وللمرأة جواب مقنع لهواجسها وللمثقف والطالب والسياسي والإنسان العادي لكل حظ ونصيب...
انتهت المحاضرة رسميا...ليستدرك المحاضر من جديد ويضيف قراءة لفقرة من كتاب تتحدث عن صفات الإمام العادل كان قد قرأها في طريقه إلى المدينة فأراد من الحضور أن يشاركه الفائدة وفي ذلك أن الرجل حديث عهد بالمطالعة وله سند متصل بمرجعيته الإسلامية...
انتهت المحاضرة كليا وقام الحضور إلا أن إحدى السيدات الحاضرات طلبت من المحاضر أن يختم بالدعاء فلم يفاجأ الضيف من طلب دعاء من رئيس حزب سياسي فأخذ يدعو بدعاء رباني جميل مؤثر في نهاية محاضرة سياسية وبين رجال السياسة فكان ذلك ختام أصيل يفيض بالمعاني والعبر...
جميل منصور رجل من رجالات الوطن والأمة قل له مثيل ونحن بحاجة في هذا الوطن المنهك أن نقدر رجالاته وللتقدير مستويات كثيرة...حفظ الله محمد جميل منصور وأعانه وهداه ورزقه مقام الأنبياء والصديقين والشهداء، أخذت الشمس تبتعد في أفق المحيط معلنة مراسيم احتضار النهار وودعنا ضيفنا الكريم في انتظار فرصة أخرى نظفر فيها بلقاء

السبت، 12 مارس 2011

المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP

على مقربة من الشاطئ في "كانصادو" بمدينة انواذيبُ تُطل بناية المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد، تاريخ طويل من العطاء وتجربة علمية حافلة بالأداء وواقع دون المأمول.
1. شيء من التاريخ:

تمتد جذور المعهد لأكثر من خمسين سنة، بالتحديد في الخامس من يناير سنة 1953 للميلاد، حين تم تدشين مختبر الصيد بمدينة انواذيبُ Laboratoire de pêches ليتطور المسار فيتحول المختبر إلى المركز الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد CNROP وذلك في 23 نوفمبر من عام 1978، تتعمق التجربة العلمية وتتوسع ليصبح المركز في سنة 2002: المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP.

رغم هذا التاريخ الطويل إلا أن الكثير من الموريتانيين لا يعرفون المعهد ولا مهامه ودوره في التنمية، خصوصا ممن يُتوقع منهم ذلك من المسؤولين والمثقفين؛ لقد صَاحَ أحد نواب البرلمان ذات مرة داخل تلك القبة التي يفترض أن تجمع ممثلي الشعب وحُماة الوطن :هذا المعهد ماذا يفعل؟ ما دوره؟ ما أهميته؟ إنها ميزانية كبيرة عليه؟؟؟
وأنا هنا لا ألوم ذلك النائب الذي لم أعد اتذكر اسمه، بقدر ما ألوم المعهد والقائمين عليه، حيث لم يستطيعوا تقديم الصورة الحقيقية للمعهد ودوره الكبير في البحث العلمي والتنمية الاقتصادية، فحتى وسائل الإعلام كثيرا ما تكتب اسم المعهد بطريقة خاطئة وأحيانا مضحكة، مما يعكس الغياب الإعلامي الكبير للمعهد وما يسببه ذلك من غياب الاهتمام به من لدن الجهات المعنية.

2 - المهام

المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP هو مؤسسة بحثية تقوم بالبحث والدراسة في كل ماله علاقة بالثروة المائية الحية (البيئة البحرية، الصيد، المخزون السمكي، استصلاح المصايد...الخ) وهو مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تابعة لوزارة الصيد والاقتصاد البحري، ويمكن تلخيص مهمته الرئيسة في إعداد وتقديم المعارف الضرورية لتسيير واستغلال الثروة السمكية وتقديم الاستشارات العلمية للسلطات العمومية للاستفادة منها في رسم سياسات الدولة في مجال الثروة السمكية وحماية البيئة البحرية من أجل استغلال مستديم، وبشيء من التفصيل أكثر:

- دراسة البيئة البحرية وديناميكية المخزون واستقصاء المعوقات والعوامل البيولوجية والفيزيائية، الاجتماعية والاقتصادية والتقنية لقطاع الصيد،
- متابعة تطور المخزون السمكي وتحديد مستوى استغلاله،
- دراسة التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لقطاع الصيد على المواطنين،
- دراسة طرق استغلال واستصلاح المصايد بشكل مستدام، وفي هذا المجال تمكن المعهد على مدى سنوات عديدة من تقديم الكثير من الانجازات العلمية المعتبرة منها على سبيل المثال:
- دراسة بيولوجية و إيكولوجية للأنواع السمكية المستغلة في موريتانيا
- معرفة حالة الموارد ومستوى استغلالها سواء تعلق الأمر بالمخزون السمكي السطحي أو مخزون الأعماق وحتى تحديد
- مستوى استغلال الكثير من الأنواع السميكة الرئيسة،
- دراسة الموارد السمكية و الظروف الهيدرولوجية لحظيرة آرغين،
- دراسة الظروف الهيدرولوجية و معرفة بعض خصوصيات التيارات الإنبثاقية فى موريتانيا،
- أكثر من 20 أطروحة و تقارير للدراسات المعمقة تناولت مواضيع شتى في إطار برامج البحث العلمي،
- أكثر من 38 نشرة علمية وإحصائية و90 أرشيفا لمختلف المعطيات العلمية وكتابان عن الأسماك الموريتانية وعشرات التقارير عن الملتقيات العلمية ومجموعات العمل.

لقد أصبحت تجربة المعهد في شبه المنطقة تجربة مقدرة مقارنة بالمعاهد المماثلة في الدول المجاورة كالمغرب والسنغال، وفي هذا السياق ينظم المعهد من كل أربعة سنوات مجموعة عمل Groupe de travail تناقش أهم المواضيع والمستجدات العلمية في مجال الصيد والبيئة البحرية، يلتقي فيها العديد من الباحثين والخبراء من مختلف الدول والمعاهد والمؤسسات المشابهة، وتصدُر في نهاية مجموعات العمل تقارير تُقدّم خلاصة الدراسات والأبحاث في هذا المجال، وتعتبر من أهم الوثائق العلمية التي تساهم في تسيير مستدام للثروة السمكية.
 كما أن تجربة المعهد في البحث العلمي خصوصا في تسيير الحملات العلمية Campagnes scientifiques التي تستهدف استكشاف وتقدير المخزون السمكي وتحديد مستوى استغلاله، تعتبر من أهم التجارب في شبه المنطقة، وبالذات حملات الجر القاعي Campagnes démersales التي تستهدف الثروة السمكية القاعية حيث تمت الاستعانة بالمعهد لإجراء هذه النوع من الحملات في بعض الدول المجاورة كان آخرها الحملة العلمية المنظمة في غينيا بيساو سنة 2011 من أجل تقييم المخزونات السمكية لهذه الدولة. 
كما كان للمعهد دور كبير في الكثير من الإجراءات التي تم اتخاذها من طرف الدولة لحماية المخزون والأنواع السمكية التي تعاني من فرط استغلال يهدد وجودها، من ذلك على سبيل المثال ما يعرف بالراحة البيولوجية (أو التوقيف كما هو شائع لدى الصيادين التقليديين)  وتستهدف هذه الراحة البيولوجية ثروة الأخطبوط التي تعاني من فرط استغلال تجاوز 30%حسب التقرير الصادر عن آخر مجموعات العمل المنطمة من طرف المعهد سنة 2010 وتهدف الراحة البيولوجية لحماية إناث الأخطبوط وصغاره في فترتين من السنة، وذلك بمنع كافة أشكال الصيد التي تستهدف هذا النوع في فترات زمنية تقابل فترات التكاثر والنمو يتم تحديدها بناء على تحليل البيانات والمعطيات العلمية الدورية من طرف المعهد.

3 - واقع دون المأمول

انطلاقا من هذا التاريخ الطويل والتجربة المعتبرة للمعهد في مجال البحث العلمي الذي يستهدف إحدى أهم الثروات الطبيعية في البلاد (الثروة السمكية) إلا أن واقع المعهد اليوم يبقى دون المأمول، فقد غادر المعهدَ بعضُ الباحثين ممن راكموا تجربة معتبرة في مجال البحث العلمي، إما لدول أجنبية أو للالتحاق ببعض المؤسسات الدولية حيث توجد ظروف مناسبة للحياة الكريمة، مما حرم المعهد من الاستفادة من تلك التجربة وتوريثها للباحثين الجدد، وتبقى الظروف المادية الحالية متواضعة جدا لا يستطيع أصحابها الانخراط في الهم العلمي البحت والانقطاع فيه وهم مشغولون بالبحث عن جواب لسُؤالِ العيش أكثر من سؤال البحث العلمي، ومالم يتم تحسين تلك الظروف والاهتمام بأصحابها فإن مآلات البحث العلمي في المعهد ستكون محدودة جدا إن لم تكن معدومة، وسيتحول إلى مؤسسة رتيبة غير قادرة على العطاء أحرى التميز.
 كما أن الاهتمام بالكادر البشري تكوينا وتدريبا واتاحة الفرصة له من أجل مواصلة الدراسة والتطرق لمواضيع كثيرة لاتزال بحاجة للتناول عن طريق الأطروحات الدراسية والتقارير العلمية، من شأنه أن يساهم في توسيع تجربة المعهد وتزويده بالكادر البشري الفاعل؛ فالمعاهد البحثية مهمتها الرئيسية في التكوين وإعداد الدراسات والوقوف على آخر الأبحاث، فعلى سبيل المثال، هناك الآن الكثير من الدوريات والمجلات العلمية العالمية لا يُتيح المعهد خدمة الاشتراك فيها وهذه من أبسط أسباب مواكبة تطورات البحث العلمي التي لاتعرف التوقف، ثم إن الاهتمام بفتح آفاق الشراكة مع معاهد البحث والمؤسسات العلمية والدولية واستقدام المشاريع التي تهتم بهذا المجال سيشكل دعامة أساسية في تطوير تجربة المعهد وتوفير الوسائل الضرورية التي لاغنى عنها في مجال البحث العلمي، وتبقى الرؤية الاستراتيجية التي تترجمها برامج وخطط البحث الخماسية وكذلك خطط العمل السنوية من أهم العوامل التي تساعد في تطوير تجربة المعهد وتحديد المجال الذي يتحرك فيه ورسم أولويات البحث العلمي والتركيز على المجالات الأكثر أهمية.
 فهل تدرك الجهات المعنية الدور الذي يلعبه المعهد في رسم سياسات الدولة في مجال الثروة السمكية وفي حماية شواطئ كانت توصف بأنها الأكثر غنًى في العالم؟ أم أن الاهمال سيظل متواصلا مما ينذر بعواقب وخيمة تهدد الثروة السمكية ومستقبل الأجيال؟